طبيعي أن يكون معظم من يقرأ هذا الكتيب عملهم معتمد علي المجهود الذهني أكثر بكثير من المجهود الجسدي.. سواء كنت طالب لازلت تدرس أو موظف, مبرمج, مصمم, محامي, محاسب, مهندس, دكتور.
السبب في أن عمل معظمنا حاليا يعتمد علي المجهود الذهني بشكل أساسي هو أننا نعيش في عصر الاقتصاد فيه أصبح اقتصاد معرفي ,فظهرت مهن كثيرة كلها تعتمد علي المعرفة بالتقنيات والعلوم الحديثة, بينما العمل الذي يعتمد علي المجهود الجسدي يقل مع الوقت بسبب التطور التقني والماكينات التي جعلت المصانع تحتاج لعدد أقل من العمال.
الاقتصاد المعرفي يتميز بالتطور السريع.. فلو أردت أن تكون مميز وقيمتك عالية في السوق ستحتاج لتطوير ذاتك بسرعة واستمرار بالتعلم واكتساب مهارات جديدة باستمرار.
ولكي تكون صاحب قدرات عالية وأيضا تطور ذاتك باستمرار..
ستحتاج أن يكون قدرة علي العمل بتركيز لفترات طويلة علي مهام صعبة سواء كانت للعمل أو للتعلم .
وهنا يأتي قصد الكاتب من مصطلح العمل العميق.
ما هو العمل العميق ؟
هو العمل بتركيز علي مهام مهمة أو صعبة تحتاج لمجهود ذهني كبير.. وينتج عن هذا العمل قيمة جديدة وتطور في مستوي المهارة.. يصعب الحصول عليها بطريقة أخري.
محاولة الطالب حل مسألة صعبة وهو يذاكر.. المهندس وهو يحاول رسم تصميم يستغل المساحة بأفضل شكل ممكن.. المحاسب وهو يحاول وضع ميزانية دقيقة.. المحامي وهو يحضر دفاع لقضية صعبة.. أو أي أحد وهو يتعلم مهارة جديدة في مجاله, صعبة عليه لكنها ستزيد من خبرته ومستواه في هذا المجال.
ومقابل العمل العميق .. هناك العمل الضحل!
هو العمل علي مهام لا تحتاج لمجهود ذهني تقريبا.. عمل يتم في حالة تشتت غالبا.. وهو عادة لا يضيف قيمة جديدة ولا يؤدي لتطور في المهارات.. ومن السهل أن يقوم به أخرون.
تصفح الإنترنت بدون حاجة حقيقة حتي وإن كان هناك بعض الفائدة.. بعض الأعمال الإدارية مثل الرد علي البريد الإلكتروني والرسائل وخلافه..
العمل الضحل ليس عديم القيمة تماما.. لكن قيمته اقل بكثير مقارنة بالعمل العميق.
عدد قليل من الناس -خصوصا في هذا العصر- لديهم القدرة علي العمل بتركيز علي الأمور المهمة والصعبة.. ولهذا نجد المحترمين دائما أقل عددا.. بينما علي العكس ستجد المبتدئين وأصحاب المستوي المتوسط دائما عددهم كبير وسهل استبدالهم.
لذلك تجد المحترفين الذين لديهم القدرة علي الإنجاز والعمل بتركيز علي الأمور الصعبة سعرهم وقيمتهم عالية في السوق أيا كان مجال عملهم, الندرة والقيمة العالية هذه غير متوفرة في العمل الضحل.. لأن مثلما قلنا هو لا يحتاج لمجهود ذهني كبير وسهل أن يقوم به أخرون.. لذلك طبيعي أن تجد كثير من الناجحين يفوضون مساعدين يقومون بالأعمال الضحلة والروتينية نيابة عنهم بحيث يفرغوا أنفسهم للأمور المهمة التي يصعب علي غيرهم القيام بها.
لو أردت الإنجاز والتطوير بشكل أكبر في مجالك.. وأن تزيد قيمتك في السوق ويصعب استبدالها.. وأن يكون لحياتك معني أكبر وتضيف قيمة حقيقية في الحياة.. فلابد من ان تكتسب مهارة العمل العميق.. لكن قبل أن نتكلم عن كيفية اكتسابها.. نحتاج للحديث عن العقبات التي ستواجهها.
من خلال صفحات السوشيال ميديا وتطبيقات التواصل مثل فيسبوك.. واتساب.. تويتر.. انستجرام.. سناب شات وغيرهم.. والأفلام, المسلسلات, المباريات في كرة القدم والألعاب الشعبية الأخري.. العاب الكمبيوتر والموبايل.. غير البرامج التليفزيونية والإعلانات..
اظن لا يوجد خلاف علي أن العصر الحالي هو عصر المشتتات بلا منازع!
تخيل أن هناك ألاف الموظفين والخبراء في كل الشركات والمجالات يتقاضون ملايين الدولارات شهريا لتحقيق هدف واحد.. وهو الحصول علي أكبر قدر من انتباهك ووقتك لصالح شركتهم, هذه الشركات تدرس بدقة ما الذي يجعلك تدمن استخدام خدماتهم لأطول فترة ممكنة.
المخ يحب الأشياء الجديدة, في كل مرة نشاهد شيء ويعجبنا أو يثير اهتمامنا, يفرز مخنا مركب اسمه الدوبامين.. وهو الذي يشعرنا بقدر من السعادة والنشوة يجعلنا نستمر في تكرار الفعل الذي كان السبب في هذا الشعور.
وهذا الذي يسبب نوع من الإدمان للسوشيال ميديا والإنترنت عموما.. المشكله أن معظم المحتوي الذي يضيع الناس وقتهم في استهلاكه هو محتوي ضحل وتافه.. مفهوم أن هناك قدر من الفائدة في السوشيال ميديا وطبعا الإنترنت نفسها مفيدة جدا لو استخدمتها بشكل واعي, لكن الاستخدام غير الواعي أضراره أكبر من منافعه بمراحل.
التشتت وضياع الوقت جزء من مشاكل الشبكات الإجتماعية, حيث يقترح مؤلف الكتاب أن تقلع وتغلق كل حساباتك علي مواقع السوشيال ميديا.. وهو ما فعله هو نفسه.. رغم إنه كمؤلف مشهور المفترض أن يكون لديه حسابات علي السوشيال ميديا لزوم التسويق وخلافه.. لكنه يري أن ضرر التواجد أكثر من النفع.
لكن أنا فاهم إن من الصعب علي كل الناس تقريبا.. خصوصا ان هناك قدر من الفائدة مثلما قلنا في هذه المواقع. لذلك الذي سأقترحه عليك هو..
إعادة تحجيم وتقييم لوجودك علي السوشيال ميديا.
وقد تحدثنا من قبل عن التشتت الذي يتسببه لنا الإنترنت والسوشيال ميديا وذكرنا كيف نقلل من ضرر استخدامنا للإنترنت في تلخيص كتاب عقلك والإنترنت ( الجزء الأول ) و تلخيص كتاب عقلك والإنترنت ( الجزء الثاني ) .
بخلاف المشتتات خارج العمل مثل السوشيال ميديا.. نحن نشتت أنفسنا في أوقات كثيرة بمهام العمل نفسها, وهذا يحدث عندما نعمل علي اكثر من شيء في نفس الوقت.. أو ما يسمي بتعدد المهام.
تعدد المهام يجعلك تبذل مجهود ذهني ووقت أكبر بدون داعي..
هناك تجربة ظريفة ممكن أن تجربها بنفسك.. هي غير مذكورة في الكتاب لكنها توضح الفكرة بشكل افضل..
حاول بسرعة Hello وبعدها الأرقام من 1 ل5.. واحسب عدد الثواني التي ستستغرقها.. وبعدها حاول كتابتهم مرة ثانية لكن بالتبديل مرة حرف ومرة رقم! ستلاحظ أنك في المرة الثانية استغرقت وقت أطول وغالبا بذلت مجهود ذهني أكبر.. هذا غير إن احتمال الخطأ أكبر مع التبديل..
عندما تكون مركز في مهمة ثم تتركها للعمل علي مهمة أخري.. مخك لا يستطيع نقل تركيزه أو انتباهه بسرعة او بشكل كامل ويكون هناك رواسب انتباه باقية من المهمة الأولي أثناء العمل علي المهمة الثانية.. ونفس الشيء يحدث عندما تعود للمهمة الأولي مرة اخري.. وطبعا الوضع يزداد سوءا لو كنت تنتقل بين أكثر من مهمتين!
المهم.. كي تستطيع العمل بعمق.. التزم بالعمل علي مهمة واحدة ولا تنتقل لأخري إلا بعد الانتهاء من العمل علي الأولي.
المؤلف يقول أن المبتدئين قدرتهم علي العمل العميق قد لا تزيد عن ساعة واحدة في اليوم.. لكن مع الاستمرار والتعود ممكن أن يصلوا ل4 ساعات.. وهذا وقت كافي جدا لإنجاز قدر كبير من العمل المهم يوميا.
المؤلف هنا يقول أنه ب4 ساعات من العمل العميق يوميا استطاع تحضير الدكتوراة في علوم الكمبيوتر.. ويؤلف خمسة كتب.. ويقوم بمهام عمله في الجامعة.. بدون ان يضطر للعمل وقت إضافي بعد ساعات العمل أو في أيام الأجازة!
هذا القدر من الإنجاز لن نقدر علي تحقيقه بدون أن يكون العمل بتركيز عادة يومية عندنا.
لذلك يفضل تحديد موعد ثابت يوميا للعمل بعمق.. يفضل في بداية اليوم.. لأن طاقتك تكون لازالت لم تنهك بعد.. وقدرتك علي الالتزام تكون اكبر, أيضا يفضل تحديد المكان الذي ستعمل فيه بعمق.. اختر أكثر مكان هدوءا وانعزالا.
النصائح القادمة ستساعدك أكثر علي بناء العادة
احضر ورقة وقلم واكتب مجموعة من القواعد ستلتزم بها أثناء جلسات العمل بعمق وراجع عليها في بداية كل جلسة.. هذا سيساعدك علي الاستعداد ذهنيا ونفسيا للعمل.
وهكذا.. يمكنك أن تضيف أو تغير في هذه القواعد بما يناسب ظروفك الخاصة.. المهم أن تكتبها, لا تكتفي بحفظها في رأسك لأنك ستنسي ولن تلتزم.
الراحة بشكل صحيح ضرورية جدا وبدونها لن تستطيع العمل بتركيز لفترات طويلة , يفضل العمل علي فترات قصيرة.. 20 - 30 دقيقة.. يكون بينهم فاصل قصير من الراحة.. لكن علي مدار اليوم أيضا, يفضل تحديد موعد تنتهي فيه علاقتك بالعمل خلال باقي اليوم.
مشكلة أن تكون متاح طوال اليوم للعمل هي أنك غالبا ستقع في فخ العمل الضحل لأنه من الصعب العمل بتركيز طوال.. ستشعر أنك مشغول لكن بدون إنجاز.. وهذا سيسبب لك ضغط عصبي وإحباط.
لكن ماذا نقصد بالراحة بشكل صحيح ؟!
عندما يكون عملك معتمد علي المجهود الذهني.. فمن يحتاج للراحة فعلا هو مخك لا جسدك!.. وهذا عكس ما يفعله عدد كبير من ممن يقضون وقت الراحة في تصفح السوشيال ميديا او الألعاب الإلكترونية, هذه الأشياء حتي لو كانت ممتعة فهي ستجهدك ذهنيا إما نتيجة التشتت أو التركيز الذي تتطلبه بض الألعاب الإلكترونية.
لو لم تكن ستنام لترتاح.. فالأفضل أن تتمشي او حتي تمارس الرياضة.. انت غالبا كنت جالس طوال اليوم ولم تبذل مجهود عضلي كبير وجسدك يحتاج الحركة! تذكر ان مخك يحتاج الراحة اكثر من جسدك!
من الأمور التي قد تساعدك علي الحماس الإستمرارية وبناء عادة العمل العميق هي ان تسجل الوقت الذي تعمله بتركيز يوميا.. وتعتبره score أو نتيجة اليوم.. وتراقب تحسن ال score هذا مع مرور الأيام.
يمكنك عمل هذا ببساطة من خلال ورقة أو نوتة تكتب فيه اسم المهمة التي تعمل عليها وتحتها الفترات الزمنية التي عملت فيها علي هذه المهمة وفي اخر اليوم تجمع مجموع هذه الدقائق ويكون هو score اليوم.
المهم أن تقيم مستواك علي فترات طويلة لا يوميا.. يعني لا تحبط لمجرد أن أداء اليوم أقل من أداء الأمس. المهم أن يكون هناك تطور علي مستوي الأسابيع والشهور.
عصر التشتت الذي تكلمنا عنه تسبب في ان عدد كبير من الأشخاص دائما ما يبحثون عن طرق سهلة وظريفة لعمل الأشياء المهمة وليس لديهم قدرة علي تحمل الملل والتعب.
ما نحتاج لمعرفته كلنا أن هناك حدود للطرق المسلية والظريفة.. أي عمل مهم أو علم مفيد يحتاج لتفصيل وسيكون فيه قدر من الملل والتعب لا يمكن تجنبه.. فالحل ليس بأن تهرب من الملل.. الحل أن تحاول تقبله وتحمله في سبيل إنجاز العمل أو تحصيل العلم المفيد, قاوم واصبر وتقبل.. قدرتك علي الصبر والتحمل ستزيد مع الوقت.. وبالإضافة لنتيجة العمل نفسه, سيكون هناك مكافأة في انتظارك في بعض الأحيان.. وهي الوصول لحالة من التركيز والانغماس اسمها flow
لو كنت جاد في سعيك للإنجاز والنجاح في الحياة... تقبل أن هناك قدر من الملل لابد من تحمله.. توقف عن الهرب للمشتتات والأعمال الضحلة قليلة الفائدة.
لمعرفة المزيد عن كلام في البيزنس اضغط هنا
موضوعات ذات صلة:
اسم الكتاب: العمل العميق DEEP WORK
اسم الكاتب: CAL NEWPORT
تلخيص: علي محمد علي
By Raghda Elhamly
Copy Right 2018